ج-ظهور الولي سيدي يحي بن صفية :

 

هو سيدي يحي بن عبد الرحمن المكنى بابن صفية , بن موسى بن إبراهيم بن محمد ابن زيد (نهار) بن محمد بن أبي العطاء . والده هو الشيخ عبد الرحمن بن موسى جاء في أوائل القرن 16م إلى الولي الكبير والعلامة الشهير سيدي سليمان بن أبي سماحة البوبكري الصديقي , الجد الجامع لقبائل الزوي الذين ينزلون بمناطق متعددة من الجزائر والمغرب الأقصى ولعل من أشهرهم أولاد سيدي أحمد المجذوب في عسلة بالقرب من العين الصفراء . وأولاد سيدي عبد القادر بن محمد الملقب بسيدي الشيخ دفين الأبيض , فمكث عنده يعلم بزاويته مدة من الزمن , وكان مبجلا عنده ومكرما لحسن سيرته . ولتقواه ومروءته , وبعد ذلك خطب سيدي عبد الرحمن بن موسى من سيدي سليمان بن أبي سماحة ابنته السيدة صفية لنفسه , فقال له والدها : (( لا نزوجها لك حتى تثبت لنا صحة نسبك)) فكان له ذلك بعد أن أثبت صحة نسبه . وتذكر رواية أخرى بأن سيدي أحمد بن يوسف الملياني شيخ سيدي سليمان بن  أبي سماحة وسيدي محمد بن عبد الرحمن السهلي هو الذي زوج السيدة صفية لسيدي عبد الرحمن بن موسى المنحدر من ولي جبل عمور (سيدي محمد بن أبي العطاء) وهو الجد السادس لسيدي يحي بن صفية . وقد أنجب هذا الزواج ثلاثة أولاد هم : يحي, وأحمد , وموسى, وذريتهم هي التي تشكل قبيلة أولاد نهار الموزعة في المجال الجغرافي للمنطقة المعينة بالدراسة وفي هذا الشأن يقول الجيلاني بن عبد الحكم : ( أولاد سيدي عبد الرحمن بن موسى هم: سيدي يحي وسيدي أحمد وسيدي موسى , وكان أخوالهم , بعد موت أبيهم لا يدعونهم إلا بأولاد صفية ولا ينسبونهم إلا إليها , لعظم قدرها عندهم ولأنها كانت من الصالحات القانتات وقد ظهر على يدها كرامات ولأن أباهم مات وتركهم صغارا عند أخوالهم ,فلذلك اشتهرت بسبة سيدي يحي بأمه وصار الناس من ذلك العهد إلى الآن لا يذكرونه إلا بسيدي يحي بن صفية )) ولد الشيخ سيدي يحي بن عبد الرحمن المكنى بابن صفية سنة 935هـ الموافق لـ 1529م ونشأ في بيئة دينية حيث درس في زاوية جده لأمه الشيخ سيدي

سليمان بن أبي سماحة اللغة والعلوم الإسلامية والتصوف , على أساس أن التصوف هو إلتماس الحق عن طريق التطهير النفس التي تلوثت بأدران المادة عند حلولها في الجسد وإعدادها لقبوله بالإلهام الإلهي . ولا سبيل إلى عودتها طاهرة إلا بقهر الجسد وإذلاله, وحرمانه من مشتهياته ورغباته الدنيوية , وذلك بالانقطاع إلى العبادة , وممارسة الصلاة و التقشف. فإذا تم ذلك سمت نحو الله, و اقتبست منه المعرفة الحقيقية, وسلكت طريق الحق. ثم واصل دراسته بوادي غير في زاوية مولى السهول بالقرب من مدينة بوذليب التي تقع إلى الشرق من مدينة الرشيدية بالمغرب الأقصى , وتخرج على يد رئيسها الشيخ محمد بن عبد الرحمن السهلي , وتبعا لتوجيهات شيخه توجه نحو الشمال لنشر العلوم التي درسها ولترسيخ الطريقة التي تبعها , فاستقر بجبال تلمسان (( جبال بني سنوس)) وقد أخدت سمعته تتنامى بسرعة حيث كثر تلاميذه ومريده وأتباعه , فأصبحت زاويته مزدهرة وعامرة , وبلغت شأوا كبيرا  ذلك أن الرباطان والزوايا الصوفية كان لها إشعاعها الخاص والمتميز في عدة أوساط اجتماعية , ليس لطابعها الديني والتعبدي فحسب بل للعلاقات الإنسانية والمنفعية التي كانت تنسجها بين روادها ومريديها , وللدور السياسي الذي كانت تقوم به أحيانا مع أوضد السلطة .ففي نظر واعتقاد من كان يلتزم بأية طريقة صوفية فإن موقع الزاوية حيث يوجد شيخ الطريقة كان له حرمة فائقة وقدسية عظمى حتى بعد وفاة أصحابها. فكانت مأوى الزوار والمسافرين وملجأ الضعفاء والمحتاجين وقبلة المرضى والمصابين , وكانت أيضا مأمن العصاة والخائفين ووجهة المتحاربين والمتخاصمين , ولكل هذه الخصائص كانت تدفع لها الصدقات والقربان والهبات جلبا للمنفعة الآجلة والعاجلة وتوطيدا لوشائج التضامن والتكافل مع الآخرين )) والثابت عند رجال التصوف أن المعرفة الربانية لا تنتقل أبا عن جد إلا نادرا لأن الله تعالى يؤتي الحكمة من يشاء , ومن يؤتي خيرا كثيرا , وقد رمز سيدي أحمد بن موسى الكرزازي  إلى ذلك بقوله :

اليسر يسرك يارب           لمن تريد أنت تعطيه

لو كان سرا الله للبيع            اللي كثر مالو يشريه

أومنين جا بالتسليم           اللي صدق هو يديه

و الثابت أيضا أن سلوك هذا الفن يقتضي الإسترشاد بشيخ عارف على قيد الحياة الذي يأذن لمريديه أن يذكروا إسم الجلالة بهمة عالية ونية راسخة ومثابرة صادقة مرورا بمراتب ثلاث , المجاهدة بدون مشاهدة ثم المجاهدة مع المشاهدة , ثم المشاهدة بدون مجاهدة , ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو فضل العظيم وفي ذلك يقول بعضهم :

السر بالخشوع يفيد             والذكر للقلب جبيرة

وإذا صفا قلب المريد           الشيخ يوريه المريرة

ويصف النقيب نوال (CAPITAINE  NOEL ) الجو العام في منطقة مغنية بالدراسة قبل مجيئ سيدي يحي بن صفية بقوله :( كان مجتمع هذه المنطقة يعيش في فوضى , فيها تحل القوة محل القانون والعدالة , وكانت النفوس ناضجة لتقبل النفوذ أي رجل تقي ورع ودين , وفي هذه الظروف وفد على منطقة الولي سيدي يحي بن صفية جد أولاد نهار الحاليين) . ولما استقر سيدي يحي بن صفية في هذه المنطقة , واشتهر أمره , أخذ الناس يفدون عليه للأخذ عنه , والنزول عنده , والإلتياذ بجانبه فبعضهم اختار المقام

عندهم بأهليهم وأولادهم , والبعض الآخر اخذوا عنه العلم والعهد . والطريقة ورجعوا إلى أوطانهم , فأما من اختاروا المقام عنده فإن ذريتهم تنزل مع الأولاده وأولاد أخويه سيدي أحمد وسيدي موسى ويشكلون الفرق التالية : العمور, وأولاد المالح , وأولاد علي بن الحاج , وأولاد عبد السلام , وعياض والمقاطيط , وأولاد عمارة , وأولاد براهيم , وأقليات أخرى . وأما الذين رجعوا إلى أوطانهم فكثيرون نذكر منهم على سبيل الذكر لا الحصر الولي سيدي خليفة الشريف بن محمد الدفين قرية خيثر , والفراطسية وهي فرقة انتقلت إلى نواحي سعيدة . ومن الذين وفدوا عليه أيضا سيدي محمد الشريف الذي جاء من العين الحوت وقد تتلمذ على يديه وتزوج بابنته التي أنجبت له ثلاثة أولاد هم سيدي عيسى وسيدي موسى وسيدي محمد , وذريتهم تشكل بطنا معروفا بأولاد نهار يطلق عليه اسم الشرفاء. وسنتطرق لذكر زوجات الولي سيدي يحي وأبنائه , ذلك أن الغالبية بطون هذه القبيلة تتشكل أساسا من ذرية أولاده . تزوج الولي سيدي يحي من أربعة نساء هن على التالي :

 

- الزوجة الأولى : ابنة سيدي محمد بن وادفل دفين جبل بني ورنيد وأنجبت له ثلاثة أولاد : محمد و عبد الرحمن وعبد القادر (الزاير).

 

- الزوجة الثانية : ابنة سيدي محمد بن سليمان بن أبي سماحة وهي ابنة خاله وأنجبت له خمسة أولاد : الجيلالي ومحمد وابو الطيب ويحي وذرية هذين الأخرين توجد بالمغرب الأقصى .

 

- الزوجة الثالثة : ابنة سيدي عيسى البوزيدي دفين وادي يسر وأنجبت له ثلاثة أولاد : الشاذلي والحاج (أبو كورة) وبن طيبة.

 

- الزوجة الرابعة: وهي من مزيلة (بطن من قبيلة أولاد ورياش) وأنجبت له ولدا واحدا وهو أبو بكر.

 

لم يزل الولي سيدي يحي ينفع الناس بالقرآن الكريم وبتعليمهم المسائل الشرعية والمطالب الدينية والوعظ والإرشاد , واقامة حلقات الذكر فضلا عن انفراده للتعبد والتدبر والتجهد في خلواته الكثيرة والتي من أهمها الصيادة , والعبادة وهي قمة حبل يقع إلى الجنوب الغربي من ضريحه إلى أن توفي سنة 1018هـ الموافق ل 1610 م , ويقول الجيلاني بن عبد الحكم : (( ودفن سيدي يحي في بلاده هذه بوادي بوغدو في جبل سيدي محمد السنوسي على بعد أربعة عشرة ميلا (أي حوالي 15كلم) من سبدو , وعليه قبة عظيمة يقصدها الناس للزيارة والتبرك)) وقبل وفاة سيدي يحي بن صفية بن بخمسة أيام ولد له ولد سماه يحي , ولما أتوه به وهو على الفراش المرض دعا له قائلا : (( اللهم إجعله خليفي من بعدي , اللهم أرزقه العلم والحلم والزهد , اللهم أجعله على منهاج الأسلاف , اللهم من عاداه فعاده ومن كاده فأكده , اللهم من أذى ذريته إجعله ذليلا بين أهل وقته وممقوتا عند أهل الخلائق وإجعل مصيره إلى النار)) ونادى بعد ذلك على أخيه أبي الطيب وقال له: (( أنت الوصي على أخيك هذا وأنت كافله من بعدي وأنت خليفتي فيه , خذ أخاك وأمك وتوجه بهما نحو بلاد (ملوية) ولا تستقر حتى تصل إلى بلاد (تاقنطاشت ) بالمغرب الأقصى , فإنها بلاد مباركة ....)) فأخذ أبو الطيب أخاه وأمه , وذهب بهما حيث أشار عليهما والدهما بالمغرب الأقصى وذريتهما ما تزال منتشرة في منطقة تاقنطاشت وميسور وضواحي فاس وغيرهما من الجهات بالمغرب الأقصى.